الصفحات

الجمعة، 3 مايو 2013

د. نادر نور الدين خبير الغذاء العالمى: سيناء سلة الغذاء الأهرام اليومى


الاهرام الرقمي
شاغله الأساسى هو تحقيق التنمية الزراعية وتمكين مصر من أن تكون دولة مصدرة للمحاصيل والمنتجات الزراعية، يكرر دائما أن مشكلة سيناء هى التى صنعناها بالإهمال مع وجود خطط واسعة لتنميتها، ينادى بتوزيع أراضيها على الشباب ليكون منتجا وحارسا على أرض الفيروز، محذرا من ترك الفراغات والأراضى دون استفادة حقيقية، ومن دور أعداء مصر للتأثير على عائدها المادى السنوي. انه الدكتور نادر نور الدين أستاذ التنمية الزراعية واستصلاح الأراضى والخبير الدولى للغذاء والحبوب.
سألته: هل ترى من الأحداث الجارية إمكانية استعادة أمن سيناء بمشروعات التنمية والزراعة وماسبب فشل التنمية بها؟
د. نادر نور الدين: بالتأكيد فهناك مشروع ترعة السلام وهو المشروع الوحيد من نوعه فى العالم فاستغرقت اقامته أكثر من 32 عاما تحت مسمي: (المشروع القومى لتنمية شمال سيناء) 


وتضمن انشاء ترعة شمال سيناء بجزءيها غربا قناة السويس وشرقا فى سيناء قرب وادى العريش بزمام 620 ألف فدان منها 400 ألف داخل أراضى سيناء، حيث يحتاج استمرارها اقامة الترعة عبر مواسير لوجودها فى مناطق كثبان رملية متحركة إلا أن النظام السابق سحب فجأة تمويل المشروع وخصصه لمشروع توشكى ظنا أنه سيخلد أسمه فأنفق 12 مليار جنيه دون عائد لاستصلاح 540 ألف فدان فقط، بينما ترك 620 ألف فدان فى سيناء تحتاج أقل من مليار جنيه فقط إضافة لملاءمة مناخ سيناء البارد والممطر الذى لا يستهلك مياها كثيرة بعكس مناخ توشكى شديد الحرارة الذى يستهلك ضعف كميات المياه التى يحتاجها المحصول الزراعي، فسيناء تصلح فى زراعتها جميع الحاصلات الاستراتيجية.
-
كيف نجعل من التنمية الزراعية وسيلة لإقامة مجتمعات عمرانية لسد الفراغ السكانى بها!
-
هناك خطط لا تنفذ للأسف، وضعتها هيئة المجتمعات العمرانية بالتعاون مع محافظة شمال سيناء ووزارتى الزراعة والرى بتخطيط متكامل لإنشاء نحو 29 قرية متكاملة لتوفير نحو 3 ملايين مواطن بحساب توزيع 5 أفراد لكل فدان لزراعته وخدمته، ونحو عاملين ونصف فى العمل غير المباشر للخدمات التى تقام حول المشروع. مثل ورش الميكانيكا من جرارات وسيارات نقل المحصول ونقل العمال، ومحال بيع الأسمدة والتقاوى والمبيدات، ومحال بيع الغذاء والحبوب الجافة، على أن تضم القرى المقصودة مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس ودورا للثقافة ومصانع للمنتجات الزراعية، وأقسام شرطة وملاعب للرياضة وغيرها حتى تكون مجتمعات متكاملة، وفى ذلك نصحت المجالس القومية المتخصصة فى دراسة لها بمراعاة توزيع مساحات واسعة من أراضى هذه المناطق بسيناء على الشباب ممن انهوا خدمتهم العسكرية وقادرين على عمل السلاح وقت اللزوم، لرصد الإرهاب ومقاومته، وهو ما تفعله إسرائيل فى مستوطناتها الزراعية، التى توزع على الشباب القادر على حمل السلاح ليكونوا مزارعين وممارسين للحدود والأمن ومقاتلين فى وقت الحاجة اليهم.
-
الغذاء من سيناء
-
هل يمكن للزراعة فى سيناء أن تلبى احتياجات السكان من الغذاء وتساعد على استقرار الوافدين اليها؟
-
بالتأكيد لأن مناخ سيناء أكثر اعتدالا، بالتالى يصلح لمعظم المحاصيل الاستراتيجية التى نستوردها بالفعل مع انخفاض فى استهلاك المياه بسبب وجود الأمطار بل سيناء يمكنها ان تحقق الاكتفاء الذاتى لمصر كلها فى الفول والعدس خاصة أن هناك صنفا مصريا جديدا يسمى "سيناء 1" مستنبط خصيصا ليناسب أراضى وأجواء سيناء كما يناسب أيضا لزراعة القمح والبذور الزيتية، ومع سقوط الأمطار الغزيرة فى الشتاء ننتج الحاصلات وتتغسل التربة دوريا من الأملاح والملوثات، فضلا عن أن توطين 3 ملايين فلاح مصرى سيؤدى الى ذوبان بدو سيناء فى المجتمع الزراعى الجديد، ويتحولون الى أفراد منتجين ومالكين لأراضى المشروع، مما يوفر حياة كريمة لسكان سيناء يبعدهم عن أى أعمال أخرى يكون منها الارهاب التهريب عبر الحدود والانفاق، ويجب فى نفس الوقت أن ندرك أن مساحة سيناء تماثل 3 أضعاف مساحة اسرائيل، وهى متروكة دون استغلال مما يجعلها نهبا ومطمعا للآخرين، وأرضا خصبة للإرهاب لانعدام الأمن والحراسة بينما تهدر فيها نحو 200 ألف فدان قابلة للزراعة فى جنوب ووسط سيناء، ومواد خام لتصنيع الأسمدة والأسمنت والحديد والسجاد وصناعة السياحة لوجود مناطق أثرية فريدة عالميا.
-
كيف يتأتى لسيناء أن تسد حاجة مصر من الغذاء الذى تستورده؟
-
تعتبر سيناء سلة الغذاء الحقيقية لمصر إذا نجحت وخلصت النية فى زراعتها وفق البرامج العلمية الموضوعة ففى موسم الشتاء يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى الفورى من العدس بزراعة 85 ألف فدان فضلا عن التقاوى البلدية، ولو استخدمنا التقاوى عالية الانتاجية عالميا تنتج نفس الكمية المطلوبة، وبالنسبة للفول والذى نستورده أيضا يمكن زراعته فى نفس الموسم على مساحة 450 ألف فدان فقط من التقاوى الضعيفة أو ربع مليون فدان بالتقاوى عالية الانتاج، وهذه المساحات الصغيرة متوافرة فى الشتاء إضافة لزراعة القمح والبرسيم لغذاء الحيوان ضمن المساحة التى يمكن زراعتها فى هذا الموسم وتصل الى 6 ملايين فدان، كما يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر بزراعة 90 ألف فدان بقصب السكر أو 220 ألفا ببنجر السكر الأقل استهلاكا للمياه والبنجر لديه قدرة عالية لتحمل تركيز الأملاح فى هذه المنطقة ويعطى محصولا مربحا لتصبح سيناء سلة الغذاء المتوقعة لمصر، بشرط عدم تغليب زراعة البرسيم على القمح، حيث يفضل الفلاحون زراعة البرسيم لتغذية الحيوان، وهو ما يؤثر أيضا بتخفيض زراعات الخضر والفاكهة الشتوية، فقمح سيناء يمكنه ان يسد 80% من احتياجاتنا فى حين أن انتاجنا من الدلتا والوادى لا يتجاوز 30% من احتياجاتنا، ونستغنى بذلك عن الزراعة فى أراضى السودان ونؤمن اقتصادنا ونمنع أزمة الجياع المتوقعة فى عام 2030.
-
ما هى معوقات التنمية الزراعية بمصر لكى نرفع انتاجية الأرض من المحاصيل؟
-
تشير البيانات الرسمية للدولة الى ان أولى مشكلات ومعوقات التنمية الزراعية تظهر فى تفتيت الأراضى لملكيات صغيرة، فإن نسبة ملاك الأراضى لمساحات فدان واحد أو أقل من فدان تبلغ 50% من مجموع ملاك الأراضي، ومن يملكون 3 أفدنة أو أقل الى 70% وهى تندرج فى أراضى الصعيد بنسبة 90%، بما يوضح تفشى الفقر فى الجنوب عن الوجه البحري، ولم يكن أمام الدولة سوى نظام الدورة الزراعية لتجميع زراعات كل قرية فى محصول واحد، بينما تتسبب الملكيات الصغيرة فى ارتفاع تكاليف الزراعة وإهدار مساحات كبيرة فى المساقى والمراوى وتسويق المحصول الناتج، مما يساعد فى استغلال التجار للمزارعين الصغار، بينما يتحكم أصحاب الملكية الكبيرة فى فرض أسعارهم على التجار، أما غياب الدورة الزراعية فجعل كل مالك يزرع حسب مزاجه الشخصي، فنجد أرضا بها أرز وأخرى بها ذرة أو بطاطس أو طماطم، وتجور بعضها على الأخرى من حيث الحشرات أو الغرق بالمياه، مما يفسد المحصول أو يدمره بأمراض النباتات، فضلا عن تزايد ترسب الأملاح بالزراعات المجاورة، وهذا ما حرم مصر من التوسع فى زراعة القمح أو القطن لسد احتياجاتنا، وذلك لأن الدولة لم تعد لها سلطة على المزارع فهو يزرع ما يشاء متى شاء فأصاب الاقتصاد فى مقتل فأقبل الكثيرون على زراعة اللب والسودانى والبطيخ والطماطم والبصل على حساب المحاصيل الحيوية فازدادت الفجوة الغذائية فى القمح وزيوت الطعام والفول والعدس، فأصبح استيراد القمح يكلف نحو 9 مليارات جنيه لفروق أسعار.
-
مرحلة التصدير
-
كيف يمكن لمصر أن تتخطى مرحلة الإنتاج الى التصدير للمحاصيل؟
-
هناك معوقات تحتاج للتغلب عليها، أهمها مشكلة النظرة للأداء الزراعى وعدم الاهتمام به، مما سمح لرجال الأعمال وغيرهم للبناء على الأرض الزراعية والاستعانة بغير المتخصصين لتولى منصب الوزير مما هدم محصولا مهما مثل القطن وتضاعف أسعار الأسمدة ورفع الدعم عنها، وحرص النظام السابق على إظهار ان الانتاج الزراعى ليس له قيمة ومساهمته فى الدخل لاتتعدى 17% مع أنه يستهلك 80% من مواردنا المائية بالنيل ولو استخدمت هذه الكمية فى الصناعة أو السياحة لتضاعف الدخل عدة مرات حسب مفهوم مسئولى النظام السابق، والادعاء ان نسبة العاملين فى انتاج المحاصيل لاتتعدى 30% رقم مغلوط لأن هناك رقما مساويا من يتاجرون فى كل المنتجات الخاصة بالزراعة والانتاج الحيوانى والداجنى والألبان وتعليب الخضراوات، بما يؤكد ان هذه النسبة لاتقل عن 60%، ومع ذلك فالفلاح يعانى ارتفاع أسعار التقاوى والأسمدة والمبيدات فالدولة هنا يجب ان تراعى أن دخل الفلاح هو دخل قومى وأن عجزه عن شراء الأسمدة يعنى انهيار محصوله وانتاجه واعتماد الدولة على الاستيراد، وخير دليل على ذلك أن الدولة الأكثر فقرا هى التى تعانى سوء انتاج أو انخفاض قطاع الزراعة، فى الوقت الذى فقدت فيه مصر طوال 50 عاما نحو 1.5 مليون فدان خصبة تحولت الى مبان، فضلا عن ظاهرة تصحر التربة الزراعية نتيجة إهمالها من المسئولين الذين يجهلون خطورة ذلك فهم غالبا من أصحاب الشهرة وليس العلم، لذلك فإن كل هذه السياسات الخاطئة هى مفتاح حل مشكلة مصر الزراعية والاقتصادية.
-
إذا كانت الزراعة هى روح مصر فإن النيل حياتها. فما موقفنا الحالى مع دول منابع النهر؟
-
المشكلة هنا أن مصر تعتبر من أقل الدول التى تحصل على حصتها من مياه النيل فى الوقت الذى نريد فيه دول المنبع حصتها أعلى لأكثر من الضعف من المياه ان تعتبر مياه الأمطار ملكا خالصا لها ثم تريد تقاسم المياه التى تجرى فى النيل مع مصر والسودان، على عكس النظم العالمية والمعمول بها وتدعى هذه الدول أن جزء منها يتعرض للجفاف لفترة من العام فى حين أن 95% من مساحة مصر جافة طوال العام لذلك فإننا ننادى بمبدأ الحقوق العادلة واعتبار اتفاقيات النيل معها أساسية والتى تمنع اقامة سدود لدى هذه الدول دون موافقة مصر. فى الوقت الذى تتلقى فيه الدول عروضا من إسرائيل لشراء مياه النيل رغم مخالفة ذلك للقوانين الدولية وتعتقد اثيوبيا ان نهضتها ستكون بانشاء سد النهضة، على غير المفهوم العلمى السليم، وما زالت تلك الدول فى مجال مراوغة مع مصر لخفض حصتها التى لاتكاد تكفيها.
الوجود الإسرائيلي
-
هل للوجود الأجنبى والإسرائيلى دور فى صراع دول حوض النيل؟
-
إسرائيل لها دور واستثمارات مباشرة أو بالشراكة مع دول أوروبية فى إثيوبيا وحدها تصل الى 400 ألف فدان وهذه حقيقة تخفيها اثيوبيا كما ان الوجود الاسرائيلى كبير فى إريتريا من دعم بالسلاح الاسرائيلى وفنى وتقني، بما يشير الى احتمال وجود اتفاق بينهما لنقل المياه العذبة الى اسرائيل فى الوقت الذى يرى فيه الخبراء العسكريون ان هذا الوجود يهدف لمنع أن يكون البحر الأحمر بحرا عربيا خالصا بمساعدة أمريكا التى تساعد اسرائيل فى تطوير زراعات الوقود الحيوى أو بناء سدود وتطوير طرق الرى على حساب المياه التى تأتى الى مصر، ويعنى ذلك ان 25 دولة غنية تتزاحم على دول منابع النيل الفقيرة للاستيلاء على خيرات بلادها تحت مسمى استثمارات إضافية منها الصين وباكستان وبعض الدول العربية وتتراوح تعاقداتها مابين ربع مليون و1.2 مليون فدان وهذه الظاهرة تقلق الأمم المتحدة حول تحول افريقيا الجائعة لزراعة الوقود الحيوى بدلا من الغذاء.
-
هل السدود الإثيوبية تمثل خطرا على نصيب مصر من المياه؟
-
ان كلا من النيل الأزرق ونهر عطبرة القادمين من اثيوبيا عبر السودان تمد مصر بنحو 86% من مواردها المائية وبنسبة 100% من مياه الفيضان بما يملأ بحيرة ناصر ويوفر 10% من مواردها الكهرائية، وقامت اثيوبيا ببناء سد رتاكيزى على نهر عطبرة منذ 3 سنوات وفر لها نحو 9 مليارات متر مكعب مياه، دون أن تؤثر على مصر، إلا أن سد النهضة الذى يريدون إقامته على النيل الأزرق سوف يؤثر على حصتنا لأن النيل الأزرق هو المصدر الأساسى للمياه فى مصر ويمد مصر بالمياه طوال العام وليس فى أثناء الفيضان فقط، مما يعرض مصر لأزمات مائية طوال العام أو لقحط شديد إذا أرادت أثيوبيا خاصة أن هناك استثمارات أجنبية بها لنحو 52 دولة ترتبط بهذا المجال. وهناك بالفعل 21 سدا فى أثيوبيا توفر لها 321 مليار متر مكعب مياه تستغلها فى زرعة الوقود الحيوى وزراعات التصدير.
-
كيف نحل مشكلاتنا مع دول منابع النيل؟
-
يكون لك بالتعاون لسد الفجوة الغذائية بين دول النيل فمصر بها فجوة غذائية تبلغ 55% والدول العربية 58.2% ودول حوض النيل 26.5% وفى ظل وفرة الحياة لا يوجد تكامل فاستغلال الأرض زراعيا لا يتعدى 10% من التربة الزراعية إضافة إلى 7% من موارد المياه فمصر تعانى من نقص محاصيل الذرة والزيوت والسكر والتى تجود فى هذه الدول، إضافة للثروة الحيوانية التى تحتاجها من دول إفريقية لوجود المراعى الطبيعية الخضراء والصحية بها حيث تصل الفجوة فى هذه اللحوم الرخيصة بمصر إلى 60% تسدها أثيوبيا وحدها.
كما يمكن إضافة صناعات مشتركة بدول الحوض فى كل مجالات تربية وصناعات اللحوم ومنتجاتها وعلاج أمراضها باستخدام الخبرة العلمية المصرية، كما تتمتع الكونغو بوجود ثانى أكبر غابات خشبية فى العالم ويمكننا الاستثمار فى مجال الأخشاب والأثاث باسعار مناسبة بدلا من الأوروبية الغالية، كما يتميز هذا البلد بزراعة مساحات شاسعة من الأرز وقصب السكر بما يمكن من التعاون فى الزراعة والصناعة القائمة عليهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق